الملك محمد السادس رائد الديبلوماسية الحكيمة.. زيارة بومبيو نموذجا

ثلاثاء, 10/12/2019 - 15:31

إن العالم العربي والإسلامي بل العالم برمته ما زال مندهشا من الديبلوماسية المغربية الرائدة والتي أصبحت تعطي دروسا في الرزانة السياسية وعدم السماح أبدا بالمساس بأي موضوع سيادي بالنسبة لها وهذا ما إتضح للعيان وبشكل جلي لكل المتتبعين خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مايك بومبيو للمغرب فبعد وصول وزير الخارجية الأمريكي إلى العاصمة المغربية الرباط الخميس المنصرم عقد مباحثات مع رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني ووزير خارجية المغرب ناصر بوريطة تلاها لقاء مطول نوعا ما مع المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف حموشي وكان مقررا بعد ذلك أن يلتقي مع الملك محمد السادس لكن هذا اللقاء لم يتم لأسباب لم يتم الكشف عنها بشكل صريح بالرغم من تسريب ذلك عبر بعض القنوات الإسرائيلية الرسمية.

لكن إن قمنا نوعا ما بتحليل كرونولوجي دقيق لمختلف الأحداث التي سبقت هذه الزيارة الأولى من نوعها لهذا الوزير الأمريكي سيتضح بأن السبب واضح جدا ألا وهو رفض المغرب بقيادة الملك محمد السادس لسياسة التطبيع التي تريد إسرائيل عبر وسيطها الأمريكي تنزيلها على أرض الواقع وما اللقاء الذي جمع بومبيو برئيس ورزاء الكيان الصهيوني بلشبونة البرتغالية إلا خير دليل على ذلك بحيث كان ينتظر هذا الأخير على ما يبدو إتصالا من وزير الخارجية الأمريكي للإلتحاق به لزيارة المغرب وبذلك يحقق عددا من الأهداف دفعة واحدة منها التطبيع مع المغرب ورفع حظوظه في إستحقاقاتهم الانتخابية لكن كل هذه المرامي قد فشلت فالهدف الأساسي من هذه الزيارة قد فشل والمتمثل أساسا في البدأ بأخذ موافقة قلب العالم المغاربي والعربي المتمثل في المغرب لتفعيل ما يسمى "بصفقة القرن" التي تريد الولايات المتحدة الأمريكية عبر رئيسها دولاند ترامب تمريرها وهذا الأمر فطنت له الديبلوماسية المغربية منذ زمن ورفضته جملة وتفصيلا.

إن هذا القرار المغربي وهذه الحكمة الديبلوماسية إن صح التعبير يمكن اعتبارها قرار تاريخيا غير مسبوق لعدة مؤشرات إيجابية من أبرزها: أولا أن المغرب لم تؤثر فيه حجم الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على عدد من الدول العربية منذ زمن قريب لتمرير مايسمى بصفقة القرن. المؤشر الثاني هو كون المغرب قد حافظ على وعده الصريح والتاريخي الخاص بموضوع القضية الفلسطينية بإعتبارها قضية وطنية لا جدال فيها من جهة وبإعتبار الملك محمد السادس رئيسا للجنة مالية القدس من جهة ثانية وفي هذا الإطار لا يختلف إثنان عن حجم الدعم المادي والسياسي والمعنوي الذي قدمه ولازال يقدمه المغرب للقضية الفلسطينية.

فيما يخص المؤشر الثالث فيتجلى في إعتبار المغرب لم ولن يتزحزح أبدا عن موقفه الثابث بخصوص هذه القضية والمتمثل في حل الدولتيين الإسرائيلية والفلسطينية وإعتبار الوحدة الترابية لفلسطين مؤسسة على حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. إنطلاقا من كل هذه المؤشرات يمكن فهم مسألة إلغاء الندوة الصحافية التي كانت ستجمع وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة بوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مايك بومبيو رغم دعوة وسائل إعلام وطنية ودولية إلى مقر الخارجية المغربية لحضور الندوة عقب المباحثات التي تلت وزيري الخارجية إلا أن هذه الندوة قد تم إلغاؤها كما جرى إلغاء إستقبال الملك محمد السادس لبومبيو.

إن الديبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس كانت محط إعجاب الكثيرين فالمغرب ما فتئ يؤكد على أن سيادته وقضاياه الوطنية لا تناقش حتى وإن كانت تواجه في ذلك أقوى دولة اقتصادية وعسكرية في العالم كما يوضح المغرب من جديد بأن القضية الفلسطينية هي قضية ملك وشعب لا تنازل عنها ولا مفاوضات تحت الطاولة حولها ولا حل لها سوى الحل السياسي المتمحور بالأساس على الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية لسنة 1967 بما فيها القدس الشرقية عاصمة لها.

ختاما يكفي فخرا للمغاربة بقيادة الملك محمد السادس الذي يوصف بالملك الحكيم أنهم كانوا وسيظلون مناصرين لقضاياهم التاريخية عربيا عبر الإلحاح المتواصل للملك محمد السادس بحق الفلسطينيين في تشكيل دولتهم المستقلة دون نسيان الخطب الملكية التي تدعو في كل مناسبة لتجاوز الجمود الذي يعيشه إتحاد المغرب الكبير أما قاريا فالمغرب لديه إيمان راسخ بأن التعاون والتلاحم الإفريقي هو الكفيل لوحده بالنهوض بهذه القارة المفعمة بالموارد البشرية والثروات الطبيعية.

رضوان جخا باحث في علم الإجتماع

نقلا عن الجزيرة نت