الباكلوريا في سطور / أحمد أبات

خميس, 31/05/2018 - 05:32

مع بداية العقد الثاني من القرن العشرين بدأ الفرنسيون في إنشاء مدارس إبتدائية في مناطق مختلفة من البلاد ظلت تشكوا من قلة الإقبال عليها بسبب إرتباطها في أذهان السكان بالمستعمر (النصارى) الشيء الذي حاول الفرنسيون التغلب عليه بأكثر من وسيلة كإجبار كل مجموعة على تقديم عدد معين من الأطفال لهذه المدارس وإنشاء مدارس لأبناء الشيوخ والوجهاء وفيمابعد إدخال مادة اللغة العربية 

إلى هذه المدارس وتغيير تسميتها لتقريبهاللسكان حيث سميت في فترة من الفترات" Médersa "
..ومع ذلك ظل عدد هذه المدارس في إزدياد بطيءحيث وصل سنة 1946 حوالي 28 مدرسة إبتدائية بها قرابة 1787 تلميذا وحتى ذلك الحين كان التلاميذ الذين يرغبون في إكمال دراساتهم (مابعد الإبتدائية) يوجهون إلى مدارس في السينغال ..غير أنه في هذه السنة (1946 ) أفتتح الفرنسيون في ضواحي مدينة "روصو " أول إعدادية بالبلاد تحولت فيما بعد إلى ثانوية عرفت ب " ثانوية أكزافيى كبولاني " وكانت ملتقى للتلاميذ القادمين من مختلف أنحاء البلاد ومنها تخرج معظم الجيل الثاني(جيل مابعد التأسيس ) " ولد هيداله " و" ولدالطايع " و" أحمدسالم ولدسيدي "...والكثير من الوزراء وكوادر الدولة خلال الستينات والسبعينات.... وبعد سنوات قليلة من الإستقلال تم تغيير اسمها ليصبح " ثانوية روصو " بدلا من " أكزافيى كبولاني " قائد الحملة الإستعمارية الفرنسية على موريتانيا الذي قتل 1905م في تجكجه على يد المجاهد "سيدي ولد مولاي الزين " ورفاقه...
مع إنتشار مؤسسات التعليم الثانوي بدأ بريق والق هذه الثانوية يخبو تدريجيا ...حيث بقيت مهجورة من التسعينات وحتى 2009 حيث تم تحويلها بعد ترميمها الى مقر للمعهد العالي للتعليم التكنلوجي (ISET ).
في سنة 1961م تم إفتتاح ثاني أهم مؤسسة للتعليم الثانوي في البلاد " الثانوية الوطنية " في نواكشوط وكانت لاتقل عن سابقتها حيث ظلت لعقود منارة للعلم والمعرفة وعلى مقاعدها جلس معظم أطر البلد من أطباء ومهندسين وأساتذة وضباط...
*الباكلوريا هي كلمة مشتقة من أصل لاتيني " bachalariatus " وتعني المبتدئ في الفروسية ....لكنها بمرور الزمن تحولت إلى اسم لأهم إمتحان في النظام التعليمي منذ صدور القانون المنشئ لها 17مارس 1808في فرنسا . ..وقد عرفت الباكلوريا بأسماء عديدة حسب النظام التعليمي المتبع لكل دولة ك " الثانوية العامة " و " الشهادة الثانوية "....وصل هذا النظام التعليمي المشتمل على إمتحان الباكلوريا مبكرا إلى الكثير من الدول المجاورة(شمالا وجنوبا)
هنا في موريتانيا ومنذنهاية الخمسينات وحتى سنة 1974م كان إمتحان " الباكلوريا " ينظم بإشراف فرنسي إنطلاقا من "داكار"وإبتداءا من هذه السنة " 1974 " تولت مصلحة الباكلوريا بوزارة التهذيب الوطني الإشراف الكلي عليها وكان عدد المترشحين تلك السنة 309 مترشحا نجح منهم 180 وكانت نسبة النجاح 58,25% و ظلت الباكلوريا تجرى على مرحلتين "إمتحان كتابي و"إمتحان شفهي "حتى منتصف الثمانينات أصبحت إمتحانا كتابيا فقط.
منذ بداية تنظيمه ظل إمتحان الباكلوريا يتمتع بالكثير من المصداقية والشفافية عكس الكثير من الإمتحانات والمسابقات الأخري لكن تلك المسيرة الطويلة " المشرقة " لم تسلم من بعض الهنات والنكسات كان أشدها على الإطلاق " تسريب باكلوريا سنة 2000 " حين بيعت مواضيعها في الوراقات وقرب المدارس وعلى قارعة الطريق...وكادت مصداقيتها أن تصبح في خبر كان لولا أن تداركتها الدولة أنذاك بقرار " إعدادتها" كاملة وهو الأمر الذي لاقي إستحسانا يومها وشكلت أنذاك لجنة للتحقيق في "التسريب " أتسم عملها في البداية بالسرعة والشمولية وأوصلتها تلك التحقيقات لمصادر عدة للتسريب كان من بينها بعض العاملين بالوزارة ومديري بعض المدارس الحرة ورؤساء بعض مراكز الإمتحان وأساتذة..بل وتلاميذ وكان من نتائجها التحفظ على بعض المدارس الحرة وفصل بعض الموظفين والأساتذة ...غير أن تلك الإجراءات سرعان ماتم التراجع عنها عندما هدأت عاصفة"التسريب" ...ويقال (والله أعلم) إن تلك التحقيقات توقفت عندما وصلت لبعض "الرؤوس الكبيرة".
في الدورة العادية سنة 2015م تمت إعادة مادة "الفيزياء والكيمياء" للشعبة العلمية بسبب تسريب تلك المادة على نطاق واسع وبينت التحقيقات حينها أن ذلك التسريب لم يكن عن قصد أوسوء نية وإنما بسبب عدم قيام الأستاذ المسؤول عن تلك المادة بالإحتياطات اللازمة (للكومبيوتر)مماسمح لأحد أطفاله بالوصول لذلك الإمتحان ومن ثم نقله لبعض الشباب الذين قاموا بنشره عبر الإنترنت.
من التحديات الكبيرة التي واجهتها الباكلوريا ولاتزال محاولات الغش والإختلاس التي تعددت طرقها وتطورت وكان إنتشار الإنترنت والهواتف الذكية تحديا أساسيا لم تفلح معه إستعانة الوزارة أيام الإمتحان بأجهزة " كشف المعادن " عند الأبواب وهو ماجعلها تقوم عن طريق شركات الإتصال (موريتل،شنكيتل، ماتل) بتعطيل شبكات الهاتف المحمول أوقات إمتحان الباكلوريا وهوإجراء وإن كان غير كاف إلاانه يساهم في الحد من عمليات الغش و الإختلاس.
تزايد عدد المشتركين في الباكلوريا الذي وصل 49993 مترشحا السنة الدراسية الماضية2017م المصحوب بتدني في نسبة الناجحين حيث لم ينجح من هذا العدد الكبير من المترشحين سوى 2956 مترشح دفع وزارة التهذيب الوطني إلى سن نظام جديد للباكلوريا يضع مزيدا من القيود من حيث السن والمعدلات الدراسية...أمام المترشحين وهو إجراء مطلوب ووارد نظرا لفوضوية الترشح التي كانت تتيح لكل من هب ودب الترشح للباكلوريا حتى من تلاميذ الإعدادية وأحيانا من غير التلاميذ... وهو ما سيؤدي حتما إلى نقص أعداد المترشحين وزيادة في نسبة الناجحين حسب ماتتوقع وزارة التهذيب غير أن بعض الخبراء في القطاع يعتقدون أن المتضرر الأكبر (بسبب السن) من هذا النظام الجديد للباكلوريا سيكون المترشحون غير النظاميين "الأحرار" خصوصا منهم خريجو ا المحاظر الذين كانت شعبة الأداب الأصلية " O " تمثل بالنسبة لهم معبرا سلسا للتعليم الجامعي وأحيانا التوظيف بعد أن يكملوا تعليمهم المحظري .
لكون الباكلوريا شرطا لازما لولوج مؤسسات التعليم الجامعي وللمشاركة في كثير من المسابقات المهنية وللحصول أحيانا علي منح دراسية خارجية(وهو حافز قوي لبعض التلاميذ) شكلت للكثير من الشباب هاجسا وبعبعا مخيفا وأحيانا صخرة تتحطم عليها أحلامه وهو ما يسبب في مجمله موجات من القلق والخوف تنتشر بين الشباب المقدمين عليهاكان يطلق عليه في أوساط التلاميذ في مامضى " حِمتْ باك " أي حمى الباكلوريا... كما كان يطرأ على المترشحين لها أحيانا " إلتزام ديني مؤقت " يتمثل في كثرة إرتياد المساجد وكثرةالصدقة وإعفاء اللحية....(وهي أمور محمودة كلها )وهو ماكان يدعوه التلاميذ من باب الدعابة ب " زيْنْ دِينْ أهَّلْ بَاكْ " ناهيك عن محاولة الإبتعاد عن الأهل في مجموعات للدراسة كانت تقوم بتأجير غرف للمراجعة في بعض الأحياء القريبة من الثانويات...وأمور غيرها كثيرة ناتجة عن التأثير النفسي لإمتحان الباكلوريا.