المطبخ الرمضاني/أ.د.لطيفه حسين الكندري

اثنين, 11/06/2018 - 03:25

يحلو الحديث في شهر رمضان الكريم عن الثقافة المطبخية، وموائد الإفطار، والسؤال عن وجبة اليوم. ولا يكتفي البعض منهم بالسؤال، بل يريد أن يشاهد مراحل ودقائق إعداد الأطباق، ورغم زحمة العمل في المطبخ، فإن الأسئلة تنهال على الأمهات لمعرفة مكونات هذا الطبق أو ذاك، رغم أن القاعدة تقول «المشغول لا يُشغل»، لكن مداعبات ومشاغبات ما قبل الإفطار مقبولة ومهضومة عند كثير من الأمهات والزوجات.
لقد جربت بهجة ممارسة الطبخ منذ طفولتي الباكرة، ولا أتخيل حياتي من غير جولات استطلاعية إبداعية لأحوال المطبخ وإعداد طبق من الأطباق. أحب أن أسمع: هل لديكم أطباق تريدون إرسالها للمحتاجين؟ وأستمع إلى أولادي عندما يغمزون ويلمزون، عندما يصل طبق من الجيران أو القريبات أو الصديقات، فيصرحون بأن أطباقهم أفضل؛ بهدف الدعابة أو طمعاً منهم في التنويع.
تحرص الأم على أن تصبح مائدة الطعام ملبية لرغبات وأذواق الجميع، رغم أن هذا الغرض عزيز المنال، إلا أنه الحلم الرمضاني اليومي الذي يراود الأمهات، وقد يستنفر فكرهم النقي. إنها مهمة نبيلة أن تحمل ربة البيت هموم إدارة أدق التفاصيل المطبخية، وفي اللحظة نفسها تمارس دورها في توفير الحب والعناية في المسائل الكبيرة. الجديد في الساحة أن تنافس المطاعم، وتفنن المحال في تقديم أصناف الأطباق الشهية أصبحا يشكلان منافسا قويا قائما (تحفيزا وتثبيطا)، خاصة أن الأبناء يتساهلون مع الطلبات الخارجية، في حين أنهم في المنزل يسألون عن الأكل وجودته صحياً، ويدققون في المسائل. هذه التناقضات الصارخة ألمسها حينما يرفع الأبناء والأزواج سقف طلباتهم وشروطهم لتناول الطعام المنزلي، بينما يتساهلون تماماً ويتنازلون لأبعد الحدود خارج المنزل! فلا يسألون عن كمية الملح أو السعرات الحرارية أو نسبة الدهون وشكل الطبق!

القبس
مع احترامي الشديد للجميع، فمهما بذلنا من جهد فلن نفي الأمهات والأخوات والزوجات والبنات حقهن من التقدير، لما يبذلن من جهد موصول في المشاركة في إعداد الطعام، لا سيما في شهر رمضان الكريم. ليس من السهل أن تمارس الأم ولديها التزاماتها الوظيفية، ثم تدير شؤون أدق التفاصيل في منزلها، وفوق ذلك قد لا تسلم هفواتها من النقد. تحية لكل من يقدر الجهود المبذولة من المرأة ــ داخل البيت وخارجه ــ فهي فعلاً تعطي بيوتنا طعماً طيباً، وتجعل مجالسنا مليئة بالجمال والتنسيق والعناية الممزوجة بطابع أنثوي سلس يسع الجميع.
منذ الألف الرابعة قبل الميلاد نجحت الحضارة البابلية في توريث أقدم الكتب عالمياً في فنون الطبخ، وتركت ألواحاً تشير إلى صنع الخبز ولا تزال المعجنات بجميع صنوفها تتصدر المائدة، وهي أكثر الأطباق التي أحب إعدادها وتناولها ونشرها، ولا أكف عن تعلم جديدها. ومهما تنوعت ثقافة طهي الطعام فسيظل المطبخ الرمضاني له نكهة خاصة.
إن المجتمع الذي يقدر ويوقر المرأة شعوراً وقولاً وسلوكاً هو مجتمع مستنير ومتمسك بهويته الأصيلة التي تكفل مجد البلد، وتلاحم أهله، وتظل الأسرة هي اللبنة الأساسية في المنظومة الإنسانية.