
صرخة ضد استباحة الوظيفة العمومية واستعباد الكفاءات الوطنية
إنني كرئيس للجنة الإعلامية باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وكحريصٍ على قيام دولة القانون والحقوق والعدالة والمساواة والمؤسسات، أرفع هذا النداء العاجل إلى السلطات العليا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وإلى الرأي العام الوطني، وإلى كافة الهيئات الرقابية والحقوقية في الداخل والخارج، للتنبيه إلى انزلاق خطير تمارسه دوائر النفوذ، ويهدد بانفجار اجتماعي وشرخ وطني يصعب رأبه.
لقد بلغ بنا القلق مداه أمام ما أصبح ظاهرة متكررة في مفاصل الدولة: تعيين عدد كبير من الأشخاص من أسرة واحدة، في مناصب عليا وحساسة، دون أي معايير شفافة أو كفاءة مُعلنة، بينما تُقصى كفاءات مشهود لها من أسر ومناطق وفئات ظلت محرومة من أبسط الحقوق في التعيين والتمثيل.
إننا لا نرفض أن يتولى أبناء أي أسرة مسؤوليات وطنية، إذا توفرت فيهم شروط الاستحقاق والكفاءة، لكننا نرفض أن تتحول الدولة إلى ضيعة أسرية، وأن تصبح القرابة والانتساب لأسر بح ذاتها أو مصاهرتها مفاتيحَ السلطة، وآليةً للوصول إلى المال العام والمناصب العليا، على حساب عشرات الآلاف من أبناء الشعب من خريجي الجامعات والمعاهد، وأصحاب الكفاءات الرفيعة الذين لا سند لهم سوى تفوقهم الدراسي ونزاهتهم وصدقهم وإخلاصهم وأحلامهم بوطن يضمهم كما تضم الأوطان الأخرى أبناءها.
نطرح السؤال علنًا:
هل نحن في دولة مواطنة؟ أم أننا في نظام محاصصة عائلية مغلقة لا مكان فيه للكفاءة ولا للاستحقاق؟
وإذا كنا في نظام محاصصة، فليُعلَن ذلك صراحة، وتُقسَّم المناصب بين الطوائف والشرائح والمناطق والأسر؛ وكل أسرة لها حصتها من المناصب تختار لها من أبناءها من له الكفاءة السياسية والتكنوقراطية؛ كما هو معمول به في لبنان مثلًا.
وإذا كنا في دولة مواطنة، فليُفتح باب التعيين أمام الجميع على أساس الشهادات والخبرة والمسابقة العلنية والعدالة في التمثيل.
وللدلالة، نورد هذا المثال الصارخ لتعيينات من أسرة واحدة محدودة العدد، لم يُعرف من بين أبنائها من حلّ في الخمسة ولا العشرة الأوائل من أي امتحان وطني، ولم يتأهل للولوج للمناصب عبر مسابقات، لكنها مرتبطة بعلاقات مباشرة مع رؤساء سابقين وحاليين:
1. المصطفى الشيخ عبد الله – مستشار بمفوضية الأمن الغذائي
2. محمد الأمين ولد الشيخ عبد الله – مستشار بوزارة التجهيز
3. عبد الله ولد الشيخ عبد الله – مفتش عام بـ”تآزر”
4. الشيخ باي ولد الشيخ عبد الله – مدير الموارد البشرية بوزارة الصحة
5. محمدن ولد الشيخ عبد الله – مدير عام صندوق الإيداع والتنمية
6. آمال منت الشيخ عبد الله – مديرة “إكناس”
7. إبراهيم ولد الشيخ عبد الله – مدير إداري مالي بشركة معادن
8. عبد الله ولد الشيخ عبد الله – مفتش بوزارة الداخلية
9. بوه ولد الشيخ عبد الله – مدير بالبنك المركزي
10. يحيى ولد الشيخ عبد الله – مدير بالبنك المركزي
وهذا ليس استهدافا لهذه الأسرة الكريمة، وإنما وضعٌ للأصبع على الداء.
فأي رسالة توجهون إلى بقية أبناء هذا الوطن؟
هل نطلب من أسرهم أن تشارك في انقلابات خشنة أو ناعمة، أم ننصحهم بمصاهرة لرئيس حتى ينالوا حقًّا من حقوقهم؟
هل تحوّلت الدولة إلى "شركة ذات مسؤولية محدودة" تديرها الأسر النافذة وتتقاسم أرباحها ليس خلف الأبواب المغلقة وإنما على وسائل الإعلام وفي بينات مجلس الوزراء؟
إنني أُحمل الدولة كامل المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن تفشي هذا الظلم، وأُؤكد أن هذا النمط من التعيين لا يصنع استقرارًا، بل يزرع بذور الحقد والاحتقان والانقسام، ويجعل الشريحة التي تنتمي لها هذه الأُسر المستأثرة بكل شيء، مستهدفةً وسيئة السمعة لدى الشرائح الأخرى، وهي بريئة في أغلب أفرادها من هذا الفعل الشائن والظالم.
وختامًا، نطالب بـما يلي:
1- إجراء تدقيق وطني مستقل في التعيينات خلال السنوات الأخيرة.
2- إصدار مرسوم يحدد معايير التعيين في الوظائف العليا ويجعل المسابقات والكفاءة أساسًا لها.
3- تمثيل عادل لجميع الشرائح والمكونات في مؤسسات الدولة.
4- نشر تقارير دورية للشفافية في التعيينات، ومساءلة كل من يثبت تورطه في "التوريث الوظيفي".
إن لم نؤسس معا لمبدأ العدالة، فإننا نهيئ بأنفسنا لما هو أسوأ: انهيار البلد بسبب انعدام الثقة بين المواطن والدولة، واتساع الهوة بين الشرائح، واحتراق الدولة كنتيجة حتمية لبطش لوبيات النفوذ والاحتكار.
والله من وراء القصد
والسلام على من عدل وأنصف