حين تكشف حكمة الشعر وبيانه صدق الإرادة في محاربة الفساد/عالي ولد أعليوت

أربعاء, 24/12/2025 - 21:42

في زمن يعلو فيه ضجيج الشعارات على حقيقة الإنجاز، لا يقاس صدق القيادة بكثرة الوعود، بل بمدى انسجام القول مع الفعل، وبقدرتها على تحويل الخطاب إلى ممارسات فعلية ملموسة. ومن هذا المنطلق، تتبدى معالم الجدية والمصداقية في تبني محاربة الفساد نهجا ثابتا، بوصفها التزاما أخلاقيا وواجبا وطنيا وخيارا سياسيا واعيا، لا مجرد صيغة بروتوكولية تُستهل بها الخطب ثم تُطوى مع نهايتها.

لقد جاءت دعوة الرئيس المتكررة إلى الابتعاد عن المسلكيات الضارة بالتنمية وتطور المجتمع ـ وفي مقدمتها الفساد والممارسات القبلية ـ كإعلان واضح عن معركة واعية ضد كل ما من شأنه أن يكبح عجلة التنمية ويعيق التطور المضطرد للمجتمع وازدهاره. لم تكن تلك الدعوة صياغة لغوية منمقة فحسب، بل نداء صريحا إلى الضمير الجمعي، يؤسس لثقافة جديدة قوامها المواطنة، وتكافؤ الفرص، وسيادة القانون، أو هكذا ينبغي أن تكون. ففي رفض الفساد، رفض لمنطق الامتياز غير المشروع، وفي نقد القبلية، دفاع عن دولة تتسع لجميع أبنائها دون تمييز.

ويزداد هذا المعنى قربا من المخاطب حين ينتقل من منصة الخطاب إلى فضاء الشعور الإنساني، ففي الأمسية الأولى من مهرجان مدائن التراث، وأثناء إلقاء الشاعر أحمد ولد الوالد قصيدته المعبرة وما تلاها من لغن الحساني جميل المعنى والمبنى، بدا تفاعل الرئيس جليا وتعبيرا جسديا واضحا عن مشاعر إيجابية نابضة. كان الإصغاء العميق، والابتسامة والانفعال الهادئ، كلها لحظات كاشفة، تقول إن محاربة الفساد ليست إجراءاتٍ إدارية فحسب، بل رؤيةٌ شاملة تعلي قيمة الثقافة، وتمنح للكلمة الحرة مكانتها في الوجدان العام ودورها في حمل هموم وتطلعات الناس إلى حيث يرجى تحقيقها.

يبدو أن صدق الرئيس غزواني في محاربة الفساد لا يقرأ فقط في النصوص الرسمية، بل يلمس في المواقف، ويرى في التفاصيل، ويستشعر في لحظات التفاعل الإنساني الصافي. تفاعل يوحي بأن الرجل يمتلك إيمانا صادقا بأهمية محاربة الفساد وأن التنمية تبدأ من تطهير القيم قبل تشييد البنيان.

وإذا كان الصدق في الموقف شرطا أوليا لأي إصلاح حقيقي، فإن محاربة الفساد لا تكتمل إلا حين تنتقل من حيز القول والمشاعر الصادقة إلى مجال الفعل المؤسسي الصارم. فالمعركة الجدية ضد الفساد هي تلك التي تدار بالقانون، وتؤطر بالإجراءات، وتُترجم إلى مساءلة فعلية لا تستثني أحدا ولا تخضع لمنطق الانتقائية. عندها يغدو المال العام محميا، وتستعيد الدولة هيبتها، وتتعزز ثقة المواطن في عدالة المؤسسات ونجاعة القرار. وهنا يتأكد أن محاربة الفساد ليست انفعالا عابرا ولا شعارا ظرفيا، بل مسار تراكمي يتطلب الصبر والحزم وإنفاذ العدالة.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية تثمين هذا التوجه الرسمي الجاد بدل التقليل من شأنه، فالنقد البناء مطلوب، لكنه يفقد معناه حين يتحول إلى إنكار دائم لأي خطوة إصلاحية، أو إلى تشكيك يُفرغ الجهود من قيمتها حتى ولو كانت رمزية. إن الاعتراف بالتقدم، مهما كان تدريجيا، يمنح الإصلاح زخمه، ويحول محاربة الفساد والقبلية إلى خيار وطني جامع، فهذه المعركة لا تخص السلطة وحدها، بل هي مسؤولية مجتمع بأكمله، تبدأ بتثمين الإرادة السياسية، وتترسخ حين يصبح الوعي العام شريكا في حمايتها، وسندا لدولة تسعى إلى تجاوز منطق الولاءات الضيقة نحو أفق المواطنة والعدالة والتنمية المستدامة.